بعد تعيين مصر سفير في قطر.. ماذا يعني “سفير فوق العادة”؟

img ]

أعلنت مصر، أمس الأربعاء، تعيين “سفير فوق العادة مفوض” لدى قطر بعد قطيعة دبلوماسية لأكثر من ثلاث سنوات، ما أثار تساؤلات بشأن ما يعنيه هذا المنصب وما الفارق بينه وبين منصب “سفير”.

ونشرت الجريدة الرسمية في مصر قرارا للرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيين السفير عمرو كمال الدين بري الشربيني سفيرًا فوق العادة مفوضًا لمصر لدى قطر.

والسفير فوق العادة المفوض مرتبة دبلوماسية هي الأعلى في مراتب السفراء، وعادة ما تمنح لشخص مكلف بمهام خاصة لبلده لدى بلدان أخرى أو هيئات دولية وتفوضه بصلاحيات واسعة أكثر من كونه مجرد سفير.

وينوب السفير فوق العادة المفوض عن بلده وحكومته ويحظى بوضع قانوني ودبلوماسي يؤهله لتوقيع اتفاقيات مع البلد أو الهيئة الموفد إليها نيابة عن بلاده.

ويحظى “السفير فوق العادة” بالامتيازات القانونية نفسها المخولة للسفير العادي إزاء ما يتعلق بالإقامة بعاصمة الدولة الأجنبية الموفد إليها، وسماح حكومة البلد المُضيف له بالسيادة على قطعة أرضية محددة وبناء مقر للسفارة فوقها، إضافة إلى تمتعه -رفقة الموظفين الذي يشرف عليهم ومبنى السفارة وبريدها والسيارات الخاصة بها- بالحصانة الدبلوماسية.

أطلق مصطلح “سفير فوق العادة” تاريخيًا على الأشخاص الذين كانوا يمثلون بلدانهم في الخارج.

وفي مؤتمر فيينا عام 1815، اعتُمد نظام المراتب الدبلوماسية بمقتضى القانون الدولي، ومن ضمنها التمييز بين السفير Ambassador، و”السفير فوق العادة” و”المفوض” Ambassador Extraordinary and Plenipotentiary.

السيسي يصدر قرارًا بتعيين “سفير فوق العادة” لدى قطر للمرة الأولى منذ 7 سنوات

img ]

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)– أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا بتعيين “سفير فوق العادة” لدى قطر، للمرة الأولى منذ عام 2014، عندما سحبت مصر سفيرها من قطر، قبل أن تقرر قطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل في منتصف عام 2017.

ونشرت الجريدة الرسمية المصرية، الأربعاء، القرار الجمهوري رقم 258 لسنة 2021، ببعض التعيينات والتنقلات في وزارة الخارجية المصرية، تضمن تعيين السفير بديوان عام وزارة الخارجية عمرو كمال الدين الشربيني “سفيرًا فوق العادة مفوضًا لدى حكومة قطر.

ويتمتع السفير فوق العادة بصلاحيات قانونية موسعة، تشمل توقيع اتفاقيات باسم الدولة أو الهيئة التي يمثلها، خلافا للسفير العادي.

وتوترت العلاقات بين مصر وقطر إثر الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عام 2013، ثم انضمت مصر إلى السعودية والإمارات والبحرين في قرار قطع العلاقات مع قطر في 5 يونيو عام 2017.

وبدأت علاقات قطر تتحسن مع مصر والسعودية والإمارات والبحرين بعد اتفاق العلا في 5 يناير 2021. وتبادل وزيرا خارجية قطر ومصر الزيارات الرسمية إلى القاهرة والدوحة، كما تبادل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعوات الزيارة، وسط استمرار المحادثات لتحسين العلاقات.

من أوراق سفير عراقي في طهران

img ]

من أوراق سفير عراقي في طهران

رحلة عبادان من أجل إطلاق سجين

عراقي في الأحواز

شوارع الأحواز بلا أرصفة ولا إشارات مرورية وجزرها الوسطية يمتلئ بصور ضحايا الحرب

{ إنطباعات عراقية عن الأحواز وآثار الحرب على بناياتها

{ أسواق الأحواز تشبه مثيلاتها في مدينة الثورة والعصر العباسي

{ في مدن الأحواز الثلاث تلمس البؤس وتشعر بالحزن والأسى وشظف العيش

{ غالبية الأحوازيين شكوا من الإهمال الحكومي وضعف التنمية وسوء الخدمات وسياسة التمييز العرقي

عبد الستار الراوي

الرحلة إلى عبادان كانت تمثل أهمية كبيرة، إن لم أقل: إنها كانت واحدة من أمنياتي، أن أطل على هذا الجزء المستلب من الوطن العربي وأتعرف على واقع عبادان وأهلها، ولذلك حاولت، منذ السنة الأولى لالتحاقي بعملي في إيران العام 1998 الحصول على موافقة الخارجية الإيرانية، وكتبت العديد من المذكرات الرسمية بهذا الخصوص، ولكن من دون جدوى، ففي كل مرة يصطنعون عذراً، أو يتذرع المسؤولون بحجة، إلى أن تلقيت في 15 شباط 2002 رسالة من مواطن عراقي مودع في السجن المركزي في عبادان، يقول فيها إنها الرسالة الرابعة التي يكتبها إلى السفير العراقي ولم يأته جواب على أي من رسائله الأربع، وعلمت، بعدئذ، أن نقطة المخابرات المرابطة في (الكشك) المنصوب عند مدخل السفارة كانت تحتفظ بالرسائل أو تصادرها.

خليل البصري.. شاب في نحو الخامسة والعشرين من مواليد أبي الخصيب، حاصل على بكالوريوس من كلية الإدارة والاقتصاد جامعة البصرة، متزوج وله طفلان، يعشق البحر، عمل (نوخذة) على ظهر مركب للصيد.

خلاصة القضية: يقول خليل: أثناء وجونا على ظهر المركب، ونحن في غمرة الانشغال بعملنا، وفي المكان الذي اعتدنا الصيد فيه داخل المياه الاقليمية العراقية، فوجئنا أن زوارق عسكرية إيرانية تطوق مركبنا من كل جانب، لتنقض وتفتح النار علينا، وأسفر الهجوم عن إصابتي بجرح ومقتل ثلاثة عراقيين، ولم يكن أمامي من فرصة إلا الهرب ومحاولة الإفلات من بنادق الموت الإيرانية، فألقيت نفسي في مياه البحر، إلا أنهم تمكنوا من الإمساك بي، وانتشالي من المياه، وبعد أيام طويلة من التحقيق المصحوب بالتعذيب، أودعوني السجن المركزي، كانوا يسعون لانتزاع اعتراف مني وأن أقر كنا نصطاد في المياه الإقليمية الإيرانية، وكنا مكلفين بمهمة جمع معلومات عسكرية لصالح المخابرات العراقية، يقول خليل: المدة التي أمضيتها في السجن المركزي لم تكن كلها سيئة، فقد كانت غالبية المودعين من عرب الأحواز، واستطعت أن اتعايش معهم، وعاملوني معاملة كريمة طوال مدة احتجازي، كوني عربياً وعراقياً كذلك، وقد تعلمت الفارسية أيضاً.

9 تموز 2002

رحلة عربستان

10تموز 2002

في رحلة عربستان كان السيد فالح القيسي الرجل الوديع، رفيق السفر، عدا كونه يتقن الفارسية، كانت قضية المواطن (خليل) تتطلب وجوده بوصفه نائب القنصل، وهو معني بمتابعة الأمر، وعلى دراية تامة بتفاصيل قضيته، وقد بذل الرجل مجهوداً محموداً في العرض القانوني الذي قدمه أمام المحكمة، إذ كانت البحرية الإيرانية، تعمل على حصول التنازل من ذوي الشهداء الثلاثة عن الحقوق القانونية وأن لا يرفعوا أية دعاوى، أمام أي محكمة من المحاكم، فيما كانت الدائرة القانونية في الخارجية العراقية، تعمل على تفريق الدعاوى، واحتفاظ ذوي الشهداء بحق المطالبة بدماء أبنائهم، بالإضافة إلى إعادة المركب إلى العراق.

طهران – مطار مهراباد

استغرقت الرحلة إلى الأحواز ساعة بالتمام.. الساعة الثانية عشرة ظهراً هبطت الطائرة في مطار عبادان الدولي (بالفارسية: فرودگاه ب?ن الملل? آبادان) في محافظة خوزستان، وهو ثاني مطار دولي في المحافظة بعد مطار أهواز الدولي، استغرقت الإجراءات مدة وجيزة، خرجنا إلى الشارع العام، وجدنا عند باب المطار الخارجية، صفاً طويلاً من عربات الأجرة، هرع إلينا رجل في الأربعين من عمره، مرحّبا: أهلاً وسهلاً.. الأخوة عرب، لغته العربية شبيهة باللهجة العراقية، هذه سيارتي تفضلوا، أشار إلى سيارة (بوليكان) قديمة، كان الجو حاراً ورطباً، اعتذر الرجل لعدم وجود جهاز تكييف في سيارته، فأنزلنا زجاج النوافذ.. الهواء كان رطباً وثقيلاً، والحرارة مرتفعة تجاوزت الأربعين درجة.

سألنا السائق عن أي اللفظين أصح (الأحواز) أم (الأهواز)، فأجاب من فوره: (الأحواز) قطعاً، أما اللفظة الأخرى فهي أعجمية.

ملاحظة: بشأن اسم (أحواز) تقول المدونات الجغرافية والتاريخية إن الأحواز هي جمع لكلمة “حوز”، وهي مصدر للفعل “حاز”، بمعنى الحيازة والتملك، وهي تستخدم للدلالة على الأرض التي اتخذها فرد وبيّن حدودها وامتلكها. و”الحوز” كلمة متداولة بين أبناء الأحواز فمثلاً يقولون هذا حوز فلان، أي هذه الأرض معلومة الحدود ويمتلكها فلان. وعند الفتح الإسلامي لفارس أطلق العرب على الإقليم كله لفظة “الأحواز”، وأطلقوا على العاصمة سوق الأحواز للتفريق بينهما. أما “الأهواز” فهو اللفظ الفارسي لعجمة لسانهم، وإن كان هذا اللفظ قد تسرب إلى بعض الكتب العربية. وفي العهد الصفوي سماه الفرس: “عربستان” أي القطر العربي. أما “خوزستان” فهو الاسم الذي أطلقه الفرس على الإقليم وهو يعني بلاد القلاع والحصون تلك التي بناها العرب المسلمون، بعد معركة القادسية، وسمي به الإقليم مرة أخرى بعد الاحتلال الفارسي بأمر من رضا شاه سنة 1925.

الساعة الثانية عشرة و20 دقيقة بعد الظهر، أوصلنا السائق واسمه (أبو جواد) إلى فندق نادري في (خيابان إمام) شارع الإمام، خاض أبو جواد سجالاً مطولاً مع مدير الفندق، يتعلق بـ(الحجز المسبق) وارتفاع الأجور، ونظافة الغرفة.

التفت أبو جواد إلي قائلاً بصوت خفيض: (هؤلاء أعراباً وليسوا عرباً)، وقد لفت نظري أن السائق كان يخاطب مدير الفندق بالعربية، فيجيبه المدير باللغة الفارسية الامر الذي سبب إزعاجاً إضافياً لأبي جواد.

صوّر مدير الفندق جوازات السفر، وكتب بعض البيانات. خيابان إمام – فندق نادري، الدور الخامس، غرفة 512 – هواتف الفندق 2225757 2229000? 2213081.

قبل أن يودعنا أبو جواد الذي كان متذمراً من سلوك مدير الفندق الذي قال عنه إنه عجمي أكثر من العجم، وقال مودعاً وهو يردد: (وشرف الإمام الحسين لو كان في منزلي جهاز تبريد، لما تركتكما تقيمان هنا، اتفقنا أن يمر علينا في الثامنة مساءً، ليصحبنا في جولة حرة نتعرف بها على المدينة.

الساعة تشير إلى 12 و35 دقيقة ، صعدنا إلى الغرفة ذات الـ12 متراً، نافذة واحدة صغيرة تطل على جدار صامت، كما الزنزانة، ووجدناها متواضعة برغم أن درجة الفندق أربع نجوم، كما تشير اللوحة الموضوعة على جبهته الخارجية.

الثانية والنصف بعد الظهر انتهيت من تناول الغذاء، واقتصرت الوجبة على الرز واللبن الرائب.

الثالثة بعد الظهر: خلدت للنوم.

الرابعة والنصف: صحوت وتناولت شاياً وجلست على احدى أرائك الاستقبال.

رجل عجوز في نحو السبعين يغفو وهو جليس على الكرسي، يضع حقيبة سوداء بين فخذيه..

لا أحد يجرؤ على اقتحام هذا الجو الذي تفوق حرارته الفرن.. الجميع يلوذون بجهة التكييف، يضعون وجوههم أمام فتحات التهوية الثلاث، المدخل واجهة زجاجية طولها نحو 14 متراً.

بسم الله الرحمن الرحيم

على جانبي الصالة نوافذ كبيرة، مغطاة بستائر حمر، وبساط مقارب للون الستائر يمتد من بوابة الفندق إلى آخرة رواق الاستقبال.

العجوز ذو الحقيبة السوداء أفاق من إغفاءة القيلولة، أخذ رشفة ماء من قنينة الماء الصحي، وعاود النوم مرة أخرى..

اقتحمت الصالة امرأة بدينة، مترهلة الجسم، لا يقل وزنها عن مائة وخمسن كيلو غراماً في أقل تقدير.

ــ تحتوي الصالة ثلاثة أطقم من (الأرائك) ذات لون زهري بارد.

خريطة إيران بحجم كبير تحتل الجدار الأيسر من قاعة الاستقبال، لوحة تشير إلى اتجاه المطعم (الرستوران).. توجد 12 ثريا صغيرة تتدلى من سقف القاعة.

الاستعلامات تحتل صدر القاعة ، ذات واجهة أمامية في غاية التنظيم، منضدة عالية بارتفاع 170 سم وبطول ستة أمتار، وهي مصنوعة من خشب الزان، محفور على امتداد مساحتها، وبطريقة الرليف البارز، تشكيلات جميلة من الورد والطيور والغزلان.

الساعة تشير، الآن، إلى الخامسة، التلفزيون في الزاوية اليمنى من الرواق.. مذيعة ترتدي الحجاب التقليدي، تستعرض برامج المساء.

القيت نظرة على الشارع، سيارات تمر، بين الحين والآخر، على نحو متقطع، كان الشارع خالياً من الناس، الرطوبة والحر توأمان.

قبالة الفندق، في الجهة الأخرى، معرض سيارات (اتومبيل مهزيار).

ما بين السابعة والسابعة والنصف، واصلت المشي في شارع (إمام)، التقطنا صورة أمام باب الفندق.

امرأة في العقد الثالث، ذات قوام رشيق، سمراء البشرة، حسنة الوجه، دلفت إلى الصالة تحمل طفلاً رضيعاً على ساعدها الأيسر.

فتى في العشرين، يرقب الباب وينظر، بين حين وحين، إلى ساعة في يده، لعله ينتظر أحداً.

فجأة خرج كرسي متحرك من بوابة الاستعلامات الجانبية، تجلس فيه فتاة بهية الملامح بيضاء، ألقت علينا السلام، علمت أنها تعمل في الفندق بصفة محاسب، تدعى (إلهام فاضل) وهي عربية، ويطلق عليها خانم فاضلي؟

في الثامنة و20 دقيقة مساء، كنا في سيارة أبي جواد، جاءنا معتذراً من تأخره عن الموعد. تجولنا في مدينة الأحواز ودليلنا السائق نفسه: عبرت بنا السيارة جسراً يعرف بـ(الجسر الأبيض) وشاهدنا نهر الكارون، وهو من أقدم الأنهر التاريخية التي تأسست على ضفافها أقدم الحضارات التاريخية. ينبع من (زردكوه) التي تعني الجبل الأصفر ضمن سلسلة جبال زاجروس ثم يصب في شط العرب ومنه إلى الخليج العربي مشكلاً دلتا جزيرة عبادان، يبلغ طول نهر كارون نحو 950 كيلومتراً.

نزلنا إلى أسواق المدينة وتجولنا في أنحائها، يغلب عليها الطابع الشعبي، والبضاعة المعروضة رخيصة الأثمان، معظمها ذات منشأ كوري وصيني.. الشيء الذي يلفت النظر في السوق أن بضاعتها مرتبة حسب الجودة والاصناف.

دخلنا سوقاً شعبية تشبه، إلى حد كبير، أسواق مدينة الثورة، يفترش كثير من الباعة الأرض، وآخرون باعة جائلون، اللسان العربي في هذه السوق حراً طليقاً، تحسب نفسك في العراق، اللهجة قريبة من البصرة، الملامح، إلقاء التحية، الاهتمام، يحبون العراق ويحملون أجمل العواطف لشعبه ومدنه وأنهاره ويبدون إعجابهم بالرئيس صدام حسين.. حاولنا اختبار أحد الباعة فسألناه بالفارسية، فنظر إلينا وفي طرف عينيه ابتسامة، فرد علينا بلسان عربي مبين، لا أحد من الإيرانيين (العجم) يدخل هذه السوق وإذا دخلها فإنه لا يشتري ولا يتبضع منها.

امرأة كبيرة في نحو الخمسين ممتلئة نسبياً، تغطي رأسها بالفوطة والجرغد، تجلس على الأرض أمام بسطة من المشغولات اليدوية، وتقول لك بطيب خاطر، خذ ما تشاء من غير فلوس، طالما أنت من العراق، أهل النخوة والكرم. قالت إنها من بني كعب (لحمنا ودمنا هناك) جذورنا.. أسألكم بالله أن تشربوا البارد (النوشايا)..

امرأة، كما الرجل، فارعة الطول، جهيرة الصوت، تدير محلاً لبيع الاقمشة النسائية، قالت: اختر فقط، والسعر أمره سهل، أجرت تخفيضاً بنسبة ثلاثين بالمائة، قائلة: هذه هديتكم.

ممرات سوق العرب ومقترباتها تلتهب بأقدام المارة، دخان العوادم والهواء الساكن الرطب، وحرارة قاربت الخمسين درجة مئوية.

اعجبتني الأسواق القديمة، أضفيت عليها لمسات الحداثة في تصميم واجهاتها.. كانت جميلة.

قاربت الساعة العاشرة مساءً.

أعجبني الكورنيش على ضفتي نهر الكارون، كان فسيحاً معبداً ومضاءً تنعكس الأضواء، راقصة على صفحة المياه..

قطعنا الكورنيش مشياً.. الرغبة الحارة لاكتشاف المكان والتعرف على تفاصيل المدينة، وحدها التي جعلتني أتحمل الطقس الجهنمي فقد كان الحر ينبعث من الأرض شواظاً من نار، وتشعر كأنك محشور في تنور.

القيظ، هنا، هو الجحيم بعينه، الساعة تخطت العاشرة مساءً لكنك تشعر أنك في عز الظهر الصيفي والريح الشرقية، بهوائها الجاف الثقيل، تسلخ جلدة الرأس والوجه واليدين، تنزّ العروق ماءً من حميم.

العرب، زرافات ووحداناً، يخترقون الجحيم، غير آبهين بالطقس.. ينسربون تباعاً، يثرثرون، تسمع صخبهم وطرائفهم، يتضاحكون.

حدثني أبو جواد عن تقاليد المجتمع العربي في الأحواز: العرب لا يزوجون بناتهم لأحد من الإيرانيين (الفرس) ولكن يحق لنا أن نتزوج من بناتهم.

دخلنا سوقاً، كما لو كنا في العصر العباسي الأول، كانت في غاية التنظيم، جدرانها من اللبن البارد، بقايا بيت عتيق ذي باب كبيرة تشبه أبواب خانات فحامة الكرخ.

قال أبو جواد: هذا كل ما بقي من قصر الشيخ خزعل.. حولت الحكومة الإيرانية جزءاً منه إلى محطة للباصات العمومية، فيما استحوذت على الأجزاء الاخرى منه مؤسسة إيرانية.

الزحام في الشارع أخف وطأة، هنا، من طهران.. لكن مخالفات السائقين، هنا، وعدم التقيد بالإشارات المرورية تكاد تكون عادة شائعة، كما في المدن الإيرانية الأخرى.

العاشر من تموز 2002.. الساعة الواحدة من صباح يوم 10 تموز، وهو الوقت الذي عدنا فيه إلى الفندق. حاولت القراءة في كتاب (تحت سماء الجليد) فغفوت ورحت في نوم عميق، في السادسة والنصف فتحت عيني وبعد نحو 15 دقيقة نهضت من الفراش، أخذت حماماً وهيأت حقيبتي.

السابعة و25 دقيقة تناولنا الفطور في مطعم الفندق.

بلبل فتان يتلفت ويتراقص في قفص صغير أصفر، أخذ البلبل يغرد، بصفير متناغم، عاد بي إلى زمن (بلبل إذاعة بغداد) كان صفيره، افتتاحية برنامج الصباح، تعقبه تلاوة القرآن الكريم.

لفت نظري رجل يتناول فطوره وهو يفترش الارض جليساً.

غادرت الأحواز في الثامنة صباحاً في طريقنا إلى عبادان استغرق الوصول إلى المدينة ساعة وأربعين دقيقة.

التاسعة و45 دقيقة صباحاً التقينا آمر السجن المركزي (السيد تسليمي) في مقره، وهو رجل في العقد الرابع، ذو بنية نحيلة وقامة تميل إلى القصر، حنطي البشرة، يظنه المرء عربياً، بسبب ملامحه وطريقته في السلام والترحيب، رحب بنا بحرارة بالغة، وقال بالفارسية وهو يصافحنا، إنه سعيد جداً لوجودنا، وإنه كان ينتظر هذا اللقاء، من خلال المراسلات مع وزارة الخارجية في طهران، أدخلنا غرفة واسعة فيها قدر كبير من اتساق الألوان والتنظيم واللمسات الجمالية، تبلغ مساحتها نحو ثلاثين متراً مربعاً، ذات ستائر شفيفة خضراء اللون، مفروشة بسجاد (فستقي) وثمة أرائك وكراس مغلفة بقماش (الستان) تتسع لـ12 شخصاً، على الجدار الخلفي للمكتب ثلاث صور بحجم موحد: الخميني، خامنئي، خاتمي، علم الجمهورية الإسلامية فوق المكتب، في الجدار المقابل آية قرآنية وضعت في إطار ذهبي.

رحب الرجل بنا بحرارة، وأجلسنا في الزاوية اليمنى، مائدة ملأى بالفاكهة، والعصائر، وجيء إلينا بالشاي أيضاً.

تحدثنا عن المواطن العراقي (خليل) وعن الاجراءات القانونية، قلت للسيد تسليمي: جئت، إلى هنا، لإنهاء موضوعه ـ ومن الضروري أن نراه.. فأجاب علينا أن نتريث قليلاً، فالتعليمات تقضي أولا أن نلتقي القاضي ونستمع إليه.

في العاشرة والنصف اصطحبنا السيد تسليمي إلى محكمة عبادان.. التقينا رئيس المحكمة وكان رجلاً معمماً، وقد أكرم الرجل وفادتنا، ووضعت أمامنا اطباق من الحلوى والفاكهة برفقة مأمور السجن ورئيس المحكمة، توجهنا إلى (المحمرة)، وصلنا إلى (الميناء).. موقعه قبالة جزيرة أم الرصاص التي سقط على شواطئها وفي مياهها آلاف الضحايا والشهداء، دخلنا مبنى كبيراً نسبياً، استقبلنا، في مكتب، ضابط بحري بدرجة لواء قدم إلينا موظفو مكتبه العصير والمياه المعدنية والشاي وأحطنا برعاية كبيرة، من العسكر والمدنيين.. وبعد أن قدم القاضي إيجازاً بالقضية أمام الضابط البحري الكبير، تم إحضار المواطن العراقي خليل.. كان شاباً في الخامسة والعشرين، كاد أن يطير فرحاً، عندما أخبره المأمور بهويتي.. بعد مداولات بذل فيها القاضي جهداً طيباً، تقرر الإفراج عن خليل وتسهيل أمر عودته إلى العراق عن طريق نقطة الشلامجة الحدودية. وتم الاتفاق على أن يكون موعد التسليم الساعة الثامنة مساء هذا اليوم.

القاضي شيخ أبيض البشرة ملتح باسم العينين، كان ودوداً، تحدث عن موضوع خليل وقال: (إنني درست هذه القضية دراسة مطولة، وكنت حريصاً، منذ البداية، على تحقيق العدل بصرف النظر عن هوية الأطراف…) وسألته: متى تنتهي القضية يا حضرة القاضي؟

فأجابني بصوت جهير وهو يضحك: (انتهت القضية، وها أنا أسلمك نسخة من قرار الإفراج الفوري عن خليل.. وبوسعك اصطحابه الآن) فنهضت وصافحته معانقاً.

الساعة 25/ 12 أجريت مكالمة هاتفية مع سفارتنا في طهران وتحدثت مع السكرتير الأول السيد رياض حسون جواد، وطلبت منه أن يبرق إلى وزارة الخارجية يعلمها بنبأ الافراج عن المواطن العراقي خليل المحتجز لدى السلطات الإيرانية، وأن موعد التسليم سيكون في الساعة الثامنة، مساء اليوم، عن طريق نقطة الشلامجة الحدودية، ويقتضي الأمر أن تنسق وزارة الخارجية مع محافظة البصرة ومع شرطة الحدود لترتيب إجراءات تسلم المواطن.

حاولت، قرابة ساعتين، تأمين الاتصال بالخارجية في بغداد، لكن الخطوط كانت مشغولة، وفي الساعة الواحدة وخمسين دقيقة تمكنت من الاتصال هاتفياً بمدير مكتب الوزير الدكتور فاروق فتيان وأخبرته أن موعد تسليم المواطن العراقي سيكون الساعة الثامنة من مساء هذا اليوم، وسأقوم شخصياً بذلك، ويتطلب الأمر الإسراع بإشعار الجهات المعنية والتنسيق معها لهذا الغرض، ورجوته أن تتقيد السلطات الحدودية بالموعد وتلتزم بالتوقيتات.

الساعة الثانية بعد الظهر، صحبت المواطن خليل إلى فندق (كروان سرا آبادان) خمس نجوم، تناولنا الغداء، وتحدثنا عن ذكرياته في السجن، وبعد الانتهاء من الطعام وطلبت منه أن يصعد إلى غرقته لأخذ قسط من الراحة، والاستحمام، واستبدال ملابسه بأخرى، جلبتها معي من طهران، ليكون بأفضل حال وهو في طريقه إلى الوطن واللقاء بالأهل.

الساعة الثالثة والربع بعد الظهر: عاودت الاتصال بالخارجية من دون جدوى، وحصلت من بدالة الخارجية على الهاتف المنزلي لمدير المكتب الدكتور فاروق الفتيان، تحدثت مع ولده، أخبرني أن والده لم يعد إلى البيت، حتى الآن، أكدت عليه أن يبلغ أباه بضرورة الالتزام بموعد هذا المساء.

الرابعة والنصف بعد الظهر: فوجئت بمكالمة من الخارجية الايرانية، قال المتحدث (علي) من دائرة التشريفات إنه يحمل رسالة اليّ من السيد إيرواني تقول بالنص: (بشأن بطاقات الدعوة الخاصة بالعيد الوطني العراقي سيتم إرجاعها إلى سفارتكم، إن كتابة العنوان الوظيفي للسيد حسين صادقي كمدير عام لدائرة الخليج (الفارسي) هو الإجراء الأصولي والطبيعي لقبول الدعوة، طبقا لأنظمة الجمهورية الاسلامية، والعراق هو البلد الوحيد (حسب قوله) الذي ينفرد بالامتناع عن كتابة عبارة (الخليج الفارسي)!! زعم أن السفارات العربية المعتمدة في طهران كافة تخاطب هذه الدائرة بالاسم الرسمي الصريح).

4,30 عصراً حاولت الاسترخاء قليلاً

نزلت إلى كافتيريا الفندق، تناولت الشاي الاخضر بالنعناع .. تصفحت كتاب (قصاصون في العراق) وواصلت القراءة.

6,40 مساء رافقت مدير السجن تسليمي وبسيارة حكومية اتجهنا من المحمرة إلى الشلامجة.

شاهدنا على جانبي الطريق آثار حرب الثماني سنوات.

7,30 مساء.. الشلامجة – نقطة الحدود المشتركة العراقية الايرانية، قبيل أن تجري إجراءات التسليم، دسست في جيب خليل مبلغ مائة دولار، وأوصيته أن يشتري بها هدايا لزوجته وأطفاله.

7,55 مساء على وفق محضر رسمي بين نقطتي الحدود المشتركة تم تسليم المواطن خليل إلى النقطة العراقية، (ضابط برتبة مقدم)، عبّر خليل الحدود، حالما بلقاء عائلته في ابي الخصيب.

كان النقيب الإيراني المسؤول عن نقطة الحدود متعاونا إلى أقصى حد في سرعة الاجراءات، وودوداً في لقائه بنا.

حمل جندي إيراني أكواباً من عصير الليمون، وقدم قدحاً إلى المقدم العراقي إلا أن الأخير كان متردداً، مما سبب حرجاً لنا، فأشرت إليه قائلاً: (وجّب الزاد).

الحدود بين البلدين بينهما عارضة حديد، وجدول ماء ضحل المياه يكاد أن يكون شبه جاف.

الجو كان معتدلاً إلى حد ما.. كان الهواء غربيا ودرجة الحرارة تصل إلى أكثر من 40 درجة.

حطام سنوات الحرب الطويلة كان شاخصاً في الانحاء والجهات كلها، البيوت المتهاوية، والشبابيك المهشمة، الثقوب على الأبواب، أكوام حديد لمسقفات متداعية، حفر كالآبار غائرة أحدثتها الصواريخ والقنابل.

بوابتان عملاقتان متقابلتان وجها لوجه

بوابة العراق يرفرف على ساريتها علم العراق، البوابة تكاد تكون نسخة مقاربة من بوابة بغداد، تنتصب على جناحيها قبتان فيروزيتان، محلاة بالكاشي الكربلائي المعروف الذي يستخدم عادة في تجميل المآذن والقباب. البوابة مشيدة بالطابوق البغدادي الأصفر.

جندي عراقي يقف تحت البوابة يتأبط بندقية كلاشنكوف، ثلة من الجنود العراقيين بملابس النوم، خارج نوبة الحراسة، منشغلين بطهي الطعام في الفضاء المفتوح.. احدهم جاء يحمل قدراً.البوابة الإيرانية أقل شأناً وحجماً من العراقية. منصة عالية بارتفاع ستة أمتار للرصد تبدو كما برج المراقبة تنتصب فوقها ثلاث رشاشات متوسطة مصوبة نحو إيران.

جدول ماء ضامر يشق ضفتي البلدين. فوقه معبر ضيق، قنطرة مهملة..

أعد الايرانيون محضر التسليم وتطلب بصمة المواطن خليل وتوقيعي، وتوقيع نائب القنصل فالح، منذ وصولنا والى وقت مغادرتنا، أحاطنا الإيرانيون المرافقون برعاية بالغة، وأبدوا احتراماً وتقديراً كبيرين، مدير السجن تسليمي والمسؤول الأمني (الشاب الثلاثيني) الذي رافقنا في الذهاب والاياب، ومندوبو المحكمة والموانئ، وشرطي من قوة الحدود، تصرف الجميع وتعاملوا معنا بكل تهذيب ولياقة.

8 مساء صافحت العراقيين والإيرانيين، ضباطاً ومراتب، صافحتهم واحداً واحداً، وكان في وداعنا الطرفان.

8,10 مساء اصطحبنا في العودة مدير السجن بسيارته الصغيرة نوع برايد إيرانية الصنع، مررنا بالفندق، لحمل الحقائب.

الساعة 8,44 مساءً دخلنا إلى المطار، لم تبق إلا دقيقة واحدة على موعد الإقلاع. تمنع موظفو المطار بسبب تأخرنا. ثم عادوا وقالوا إن هناك مقعداً واحداً فقط، اعتذرت لهم عن التأخير القاهر، ورفضت العرض، وقلت لهم لا مجال أن يسافر أحدنا ويبقى الآخر، ونفضل في هذه الحالة أن نبقى إلى اليوم الثاني، لنأخذ طائرة الصباح.

بعد مشاورات السيد تسليمي مع موظفي المطار ورجال الامن وإلحاحه ورجائه، قرروا، أخيراً، السماح لنا بالسفر، وطلبوا منا الهرولة إلى الطائرة.

موظف الأمن عند بوابة الخروج، شرع في تفتيشنا، أفهمناه أننا دبلوماسيون، دار برأسه، يميناً ويساراً، وفكر قليلاً، ثم سمح لنا، هرولنا نحو الطائرة، وما إن صعدنا، حتى رفع سلم الطائرة، استعدادا للإقلاع.

اكتشفنا وجود خمسة مقاعد فارغة؟!!

لم تقلع الطائرة إلا في الساعة التاسعة والنصف. جاورتني شابة في الثلاثين من عمرها.

30-10 مساء وصلنا مطار مهرباد كان في انتظارنا المستشار توفيق والسيد ياسين عبدالجليل محاسب السفارة.

45-11 مساء دخلت إلى البيت، احاطني ابني عزاوي وابنتي زينب وزوجتي نجلة، تناولت عشاءً خفيفاً، أمضيت معهم ساعة من الزمن، وبسبب الإرهاق والتعب خلدت إلى النوم.

ملاحظات

– المفاجأة العاصفة الكبرى، كانت في اللحظة الأخيرة بمطار الاحواز ونحن نهم بركوب الطائرة، عندما همس في أذني مدير السجن (بلغة عربية فصيحة، وهو يردد العبارة العربية الاثيرة لضيفه – اعذرنا من أي تقصير)!!!!!!!!!! وهو الذي لم يتحدث بحرف عربي واحد طوال يوم كامل، فنظرت إليه ووجدته يبتسم، صافحته بحرارة ومضيت.

– المناخ القاسي والأراضي البور، شحوب المدن الثلاث وانحطاط العمران وبيوت من طين.

– الاشجار قد يكون بعضها باسقاً، لكنها صفراء وضامرة، تشكو من عطش طويل الأمد.

بعض الشوارع كانت بلا أرصفة، وبعضها أيضا كان خالياً من العلامات المرورية، تمتلئ الجزر الوسطية في الشوارع الرئيسة بصور ضحايا الحرب، من كل الاعمار، بما في ذلك الصبية الصغار، حيث لجأ الإيرانيون، في سنوات الحرب، الى زج الصبية والأطفال في الحرب ووضعهم في خطوط الجبهة الأمامية، قبيل الهجمات التي كان يشنون، وثمة جداريات يتقاسمها الخميني وخامنئي.

أبقى الإيرانيون عشرات من شواهد الحرب وآثارها، في المدن العربية الثلاث، كيما تبقى تذكرة للآتين من الأجيال الآتية.

كانت المحمرة من أكثر المدن التي تعرضت بنيتها التحتية لنيران الحرب، فآثار الحرب كانت بينة على الأحياء والعمارات والطرقات والمصانع.

تأملت طويلاً نهر الكارون، فعلى شاطئ المحمرة نزف العراقيون الدم حتى الموت، فالمحمرة شهدت أكثر المعارك عنفاً وشراسة بين البلدين، لايزال ركام الحرب مبعثراً على ضفاف الكارون.

في المدن الثلاث تلمس البؤس وتشعر بالحزن والأسى وشظف العيش، غالبية الذين التقيناهم أو تحدثنا إليهم في الأسواق، كانوا يشكون من الإهمال الحكومي للمنطقة من حيث ضعف التنمية وسوء الخدمات الصحة, التعليم، الرعاية الاجتماعية، ويبدون تذمرهم من سياسة التمييز العرقي التي تنتهجها السلطات تجاه شعب الاحواز.

البطالة، هنا، بنوعيها البين والمستتر، شر مستطير، الشباب المتسكعون يملأون الأرض.

الفقر والبطالة توأمان، والأشد وجعاً من هاتين الآفتين، هو محاولة الدولة وإصرارها على مسخ الطابع العربي التقليدي للمدن، وسحق الثقافة العربية عن طريق سياسة التفريس، وهو المنهج العنصري الذي ظل سائدا منذ القاجار والبهلوية، وازداد تعسفا ووحشية في ظل تسلط رجال الدين وحكم ولاية الفقيه.

الحياة العربية، بعد التاسعة مساء، تصطخب بالناس والعربات والأسى.

{ السفير العراقي قبل الاحتلال في طهران